نقد المركزية الغربية في فلسفة الفن – هل الفن قصة أوروبية

تعرف على نقد خطاب المركزية الغربية في فلسفة الفن حيث يُعد خطوة جوهرية نحو إعادة كتابة تاريخ الفن وفلسفته من منظور الفن العالمي وليس قصة أوروبية حصرية.

عندما تصبح "قصة الفن" قصة واحدة فقط، لطالما سُردت قصة الفن في تاريخنا الفكري والثقافي من منظور واحد: المنظور الغربي. منذ فلاسفة الإغريق حتى فلاسفة الحداثة، تم تأطير الفن في سياق تطوري يبدأ من الكلاسيكية، مرورًا بالنهضة، وصولًا إلى الحداثة وما بعدها. هذا السرد، الذي غالبًا ما يغفل عن كنوز فنية وثقافية من خارج أوروبا، ليس مجرد سرد تاريخي، بل هو خطاب مركزي غربي له تأثير عميق على كيفية فهمنا وتقييمنا للفن اليوم. إنه يضع الفن الغربي كنموذج للجمال والتقدم، ويُهمّش الفنون الأخرى كـ"غريبة"، أو "بدائية"، أو "ساذجة". سنقوم بنقد جذري لهذا الخطاب، ونحلل كيف أثرت المركزية الغربية على فلسفة الفن، وكيف يمكننا إعادة كتابة قصة الفن لتصبح حوارًا عالميًا متعدد الأصوات.


Criticism of Western Centralism in art
Antoine-Jean Gros (1771–1835), The Battle of Abukir, 25 July 1799

حجتي هي أن تاريخ الفن الغربي قد أُنشئ بطريقة تهمش الفن غير الغربي. إدوارد سعيد (Edward Said) - الاستشراق. My argument is that the history of Western art has been created in a way that marginalizes non-Western art.


نقد المركزية الغربية في الفن

لطالما ساد الخطاب في أكاديميات الفن الغربية فكرة أن "فلسفة الفن" (Philosophy of Art) هي قصة أوروبية محضة، بدأت من اليونان القديمة، وتطورت عبر العصور الوسطى، النهضة، وصولاً إلى الحداثة وما بعدها. هذا السرد التاريخي والفكري، الذي يُهيمن على المناهج الأكاديمية والمتاحف العالمية، يُهمش بشكل منهجي ويُقصي التقاليد الجمالية الغنية والمتنوعة التي نشأت وتطورت في الحضارات غير الغربية. في هذا المقال، سنُقدم نقدًا لخطاب المركزية الغربية (Critique of Western Centrism) في فلسفة الفن، مُجيبين على تساؤل جوهري: "هل الفن قصة أوروبية أم حوار عالمي؟" سنستكشف كيف يُمكن لنهج ما بعد الاستعمار أن يُعيد كتابة تاريخ الفن، ويُصحح المفاهيم الخاطئة، ويُعيد للفن مكانته كممارسة إنسانية عالمية تُعبر عن تنوع الوجود البشري.

إشكالية المركزية الغربية: الفن كظاهرة أوروبية

يُعد الخطاب الغربي حول الفن ليس فقط سردًا تاريخيًا، بل هو إطار مفاهيمي يُشكّل نظرتنا إلى الفن وما يُعتبر "فنًا" في المقام الأول.

يجب طرح سؤال 'ما هو الفن؟' من منظور ثقافات متعددة، وليس فقط من منظور غربي..ريتشارد وود (Richard Wood) - فلسفة الفن. The question 'What is art' must be asked from multiple cultural perspectives, not just a Western one

المعايير الغربية والتعريف الحصري للفن

في التقليد الفلسفي الغربي، غالبًا ما يُعرّف الفن بمعايير مُحددة: الجمال الكلاسيكي، الواقعية التمثيلية، التجريد، أو التعبير عن الذات الفردية للفنان. هذه المعايير، التي نضجت في سياق تاريخي وثقافي أوروبي، أدت إلى إقصاء أشكال فنية أخرى. على سبيل المثال، التماثيل الأفريقية، التي تُنتج لأغراض دينية أو طقسية، غالبًا ما تُوضع في فئة "الأشياء الإثنوغرافية" (Ethnographic Objects) بدلاً من أن تُصنّف كـ"فن" في المتاحف الغربية، مما يُشير إلى أنها أقل قيمة جماليًا. هذا التصنيف يُعزز فكرة أن الفن الحقيقي هو ما يتوافق مع الرؤية الغربية، ويُقلل من أهمية التقاليد الفنية التي لا تندرج تحت هذه الرؤية.

هذه النظرة تُجيب على تساؤل: لماذا تبدو المتاحف الغربية مُركزة على فنون محددة؟ لأن المعايير التي تُحدد ما يُعرض كفن غالبًا ما تكون مُستمدة من فلسفة فنية غربية تُعطي الأولوية لبعض الأشكال على حساب أخرى، مما يُشكل نوعًا من "الاستعمار الجمالي" (Aesthetic Colonialism).  هذا النقد لا يُقلل من قيمة الفن الغربي، بل يُطالب بإعادة النظر في الإطار الذي تُوضع فيه هذه الأعمال، وفتح المجال لفهم أوسع وأكثر شمولًا للفن.

تجاهل الأشكال الفلسفية غير الغربية

المشكلة لا تكمن فقط في إقصاء الأعمال الفنية، بل في تجاهل الأطر الفلسفية التي أنتجتها. في الصين، على سبيل المثال، ترتبط فلسفة الرسم بـالجمالية الطاوية (Daoist Aesthetics) التي تُركز على التوازن، التدفق، والانسجام مع الطبيعة، بدلاً من تمثيل الواقع بدقة.  وفي الهند، ترتبط الجماليات بـنظرية "راسا" (Rasa Theory)، التي تُركز على إثارة حالة عاطفية معينة لدى المتلقي، بدلاً من مجرد التعبير عن الذات الفردية للفنان.

هذه الأطر الفلسفية، التي تُقدم رؤى مختلفة تمامًا حول معنى الفن ووظيفته، غالبًا ما تُهمل في الفلسفة الغربية، مما يُعزز فكرة أن الفلسفة الجمالية هي أيضًا قصة أوروبية. نقد هذه المركزية يُطالب بدمج هذه الأفكار في الحوار العالمي حول الفن، ويُقدم رؤية أكثر شمولاً وتعددية للجمال.

تاريخ تشكل المركزية الغربية في فلسفة الفن

يمكن تتبع جذور المركزية الغربية في فلسفة الفن إلى الفلاسفة الأوائل، مثل أفلاطون وأرسطو، الذين وضعوا أسسًا لمفاهيم الجمال والتمثيل. لكن هذه المركزية ترسخت بشكل أكبر في عصر التنوير، مع فلاسفة مثل كانط وهيغل. فبالنسبة لـهيغل، على سبيل المثال، فإن الفن الغربي هو التعبير الأكثر اكتمالًا لـ"الروح المطلقة" (Absolute Spirit). هذا الرأي يضع الفن غير الغربي، مثل الفن الصيني أو المصري، في مرتبة أدنى، معتبرًا إياه "مرحلة بدائية" في تطور الفن. هذا الإطار النظري لم يكن مجرد وجهة نظر فلسفية، بل كان جزءًا من مشروع استعماري أوسع، يهدف إلى تثبيت هيمنة الثقافة الغربية على العالم (Hegel, 1975).

المركزية الغربية كعائق أمام الفهم العالمي للفن

إن مشكلة المركزية الغربية لا تقتصر على تجاهل الفنون غير الغربية، بل تمتد لتُشوه فهمنا لها. فمن خلال عدسة المركزية الغربية، يتم تقييم الفن غير الغربي وفقًا لمعايير ليست له. فمثلاً، يتم الحكم على الفن الأفريقي ليس من خلال وظيفته الطقسية أو رمزيته الروحية، بل من خلال معايير الجمال الواقعي التي وضعها الغرب. هذا التحيز يؤدي إلى سوء فهم عميق، ويمنعنا من تقدير القيمة الجمالية والثقافية لهذه الفنون. إن المركزية الغربية، في جوهرها، تفرض رؤية واحدة للجمال، وتُجرد الفنون الأخرى من سياقها الأصيل (Said, 1978).

المركزية الغربية في المتاحف العالمية

تتجلى المركزية الغربية بشكل واضح في المتاحف العالمية، وخاصة في أوروبا وأمريكا الشمالية. غالبًا ما يتم عرض الفن غير الغربي في أقسام منفصلة تُسمى "الفن الإثنوغرافي" أو "الآثار"، بينما يُعرض الفن الغربي في أقسام "الفن العالمي". هذا التصنيف يُعطي انطباعًا بأن الفن الغربي هو "الفن" في حد ذاته، وأن الفنون الأخرى هي مجرد عينات ثقافية. هذا الترتيب لا يعكس الواقع الفني العالمي، بل يعكس هيمنة الخطاب الغربي، ويُبقي على التصنيفات الاستعمارية القديمة (Vogel, 1991).

تفكيك مفهوم "العبقرية الفردية" الغربي

يُعد مفهوم "العبقرية الفردية" (Individual Genius) أحد الركائز الأساسية للمركزية الغربية في فلسفة الفن. هذا المفهوم يرى أن الفن هو نتاج إبداع فردي خالص، ينبع من موهبة استثنائية يمتلكها الفنان. هذا الرأي يغفل تمامًا عن أن الفن، في العديد من الثقافات غير الغربية، هو عمل جماعي أو عملية طقسية. ففي الفن الإسلامي، مثلاً، يُعد الخطاط الذي يكتب القرآن مجرد أداة لتجسيد الكلمة الإلهية، وليس مبدعًا فرديًا بالمعنى الغربي. وفي الفن الشعبي، لا يُنظر إلى الفنان كعبقري، بل كحارس للتقاليد. إن تفكيك هذا المفهوم يساعدنا على تقدير الفن من منظور أوسع، لا يقتصر على الفنان الفرد، بل يمتد ليشمل المجتمع والتقاليد (Said, 1978).


الفن كحوار عالمي وإعادة كتابة التاريخ

لتصحيح هذا السرد، يجب أن نُعيد كتابة تاريخ الفن وفلسفته من منظور عالمي، يُعطي الأولوية للحوار والتبادل بدلاً من الهيمنة والإقصاء.

الفن كحوار: من النظرة إلى الحوار، بدلًا من النظر إلى الفن كمنتج جمالي يُنظر إليه، يمكننا أن نراه كـحوار (Dialogue) بين الثقافات. فالفن، في جوهره، هو لغة. وعلى مر التاريخ، كان الفنانون يتفاعلون مع أعمال فنية من ثقافات أخرى، ويستلهمون منها. فـبيكاسو، مثلاً، لم يبتكر أسلوبه التكعيبي من فراغ، بل استلهمه من الأقنعة الأفريقية. لكن الخطاب الغربي غالبًا ما يُهمش هذا المصدر، ويُقدم التكعيبية كإنجاز غربي خالص. إن إعادة النظر في تاريخ الفن كحوار، بدلًا من قصة فردية، يمنحنا فهمًا أعمق لتأثير الثقافات المختلفة على بعضها البعض (Bhabha, 1994).

الفن كممارسة إنسانية شاملة

يُمكن أن نُجيب على تساؤل المستخدم: "هل الفن قصة أوروبية أم حوار عالمي؟" بالإجابة القاطعة: الفن حوار عالمي (Art is a Global Dialogue). الفن ليس اختراعًا غربيًا، بل هو ممارسة إنسانية شاملة وُجدت في جميع الثقافات، من النقوش الصخرية في أستراليا، إلى الفخار في أمريكا الجنوبية، إلى الخط العربي في الشرق الأوسط.

هذا المنظور يُلغي فكرة وجود "قصة" واحدة للفن، ويُقدم بدلاً من ذلك فكرة وجود "ممارسات فنية مُتعددة" (Multiple Artistic Practices)، لكل منها سياقها التاريخي والفلسفي الخاص. هذا لا يعني أن جميع الممارسات متساوية في تأثيرها التاريخي، بل يعني أن لكل منها قيمة جمالية وفلسفية يجب أن تُحترم وتُدرّس على قدم المساواة، مما يُثري فهمنا للفن ككل.

تأثير الفن غير الغربي على الفن الغربي

يُعد أحد أقوى الحجج ضد المركزية الغربية هو أن الفن الغربي نفسه لم يكن بمعزل عن التأثيرات الخارجية. في الواقع، شهدت فترات رئيسية في تاريخ الفن الغربي تأثرًا عميقًا بالفن غير الغربي. على سبيل المثال، تأثر فنانون مثل بابلو بيكاسو (Pablo Picasso) وهنري ماتيس (Henri Matisse) بالفن الأفريقي، وتحديدًا الأقنعة والمنحوتات، في أعمالهم التكعيبية والمُبكرة. هذا التأثر، الذي غالبًا ما يُشار إليه في الأدبيات الغربية كـ"اكتشاف" لـ"فن بدائي"، هو في الواقع دليل على أن الفن الغربي ليس كيانًا مُستقلاً، بل هو جزء من شبكة عالمية من التبادل والتفاعل.

هذا يُجيب على تساؤل آخر للمستخدم: "كيف يُمكن أن يكون الفن حوارًا عالميًا إذا كانت المتاحف تُركز على الغرب؟" يُظهر هذا التاريخ المُخفي من التأثير المتبادل أن الفن هو بالفعل حوار، حتى وإن حاول الخطاب السائد إخفاء ذلك.

الجماليات ما بعد الاستعمار: إعادة تقييم الفن والمجتمع

يُقدم نهج ما بعد الاستعمار (Postcolonialism) إطارًا نظريًا قويًا لنقد المركزية الغربية، ويُقدم لنا أدوات جديدة لفهم العلاقة بين الفن والمجتمع.

الفن ما بعد الاستعماري: إعادة كتابة التاريخ، ظهر الفن ما بعد الاستعماري (Postcolonial Art) كنقد مباشر للمركزية الغربية. سعى فنانون ونقاد من دول الجنوب العالمي إلى استعادة تاريخهم الفني، وإعادة تقييم أعمالهم بعيدًا عن النظرة الغربية. هذا التيار لم يكتفِ بإعادة إحياء الفنون التقليدية، بل قام بمزجها مع الأساليب الحديثة والمعاصرة، لخلق حوار فني جديد. هذا الفن يرفض أن يُصنف كـ"فن تابع"، بل يطرح نفسه كصوت مستقل له خصوصيته وتفرده. الفن ما بعد الاستعماري يفتح الباب أمام فلسفة فن عالمية لا تعترف بمركز واحد، بل تحتفي بالتعددية والاختلاف (Bhabha, 1994).

الفن كأداة للمقاومة والتحرر

في سياقات ما بعد الاستعمار، لم يكن الفن مجرد تعبير عن الجمال، بل كان أداة للمقاومة (Tool for Resistance) والتحرر.  فنانون من مناطق مُستعمرة سابقًا استخدموا الفن للتعبير عن هويتهم، لاستعادة تاريخهم، ولتحدي السرديات الغربية التي فرضت عليهم. على سبيل المثال، استخدم فنانون مثل فرانسيس نغندا (Francis Ngenda) في الكونغو النحت لتوثيق تاريخهم ومُعتقداتهم، بينما استخدم فنانون آخرون من أمريكا اللاتينية الفن الجداري للتعبير عن قضايا اجتماعية وسياسية.

هذه الممارسات الفنية تُقدم رؤية مختلفة تمامًا عن الفن. الفن ليس فقط للتأمل الجمالي، بل هو أيضًا فعل سياسي (Political Act)، وهو وسيلة لـتأكيد الهوية (Affirming Identity)، وللتعبير عن الوجود في مواجهة الهيمنة الثقافية. هذه النظرة تُوسع فهمنا للفن وتُعزز من دوره في المجتمع.

إعادة تعريف الجمال والقيمة الفنية

يُطالب نهج ما بعد الاستعمار بإعادة تعريف شاملة لمفاهيم مثل "الجمال" (Beauty) و"القيمة الفنية" (Artistic Value). الجمال ليس مفهومًا عالميًا أو مُطلقًا، بل هو نسبي ويتشكل في سياقات ثقافية مختلفة. قد تُقدر بعض الثقافات التجريد، بينما تُفضل أخرى التعبير الرمزي، وقد تُعطي بعضها قيمة للوظيفة العملية للعمل الفني.

إعادة تقييم هذه المفاهيم تُجيب على تساؤل المستخدم: "لماذا قد لا أجد بعض الأعمال الفنية من ثقافات أخرى جميلة؟" لأن الجمال ليس مفهومًا مُوحدًا، بل هو مجموعة من المعايير التي تُشكلها ثقافتنا. نقد المركزية الغربية يُشجعنا على أن نكون أكثر انفتاحًا، وأن نُقدّر الجمال في أشكاله المتعددة، وأن نُدرك أن ما نعتبره "جميلاً" هو نتاج لتقاليد جمالية مُحددة، وليس حقيقة مطلقة.

الفن والمجتمع نحو منظور شامل

لتحقيق حوار عالمي حقيقي في فلسفة الفن، يجب أن نُدمج وجهات النظر الاجتماعية والأنثروبولوجية في فهمنا.

الفن والأنثروبولوجيا: الفن كظاهرة ثقافية، في سياق نقد المركزية الغربية، تُقدم الأنثروبولوجيا (Anthropology) رؤية مهمة. فمن خلال دراسة الفن في سياقه الثقافي، تؤكد الأنثروبولوجيا أن الفن ليس ظاهرة جمالية بحتة، بل هو ظاهرة ثقافية واجتماعية. فـالتمثال في قبيلة أفريقية قد لا يُنظر إليه كعمل فني، بل كأداة طقسية أو كوعاء لروح. هذه الوظائف هي التي تمنحه قيمته الحقيقية. الأنثروبولوجيا تساعدنا على فهم أن معايير الجمال ليست عالمية، بل هي نتاج ثقافات معينة، وأن ما نراه "فناً" في الغرب قد لا يُرى كذلك في مكان آخر (Gell, 1998).

الفن كممارسة اجتماعية

تُقدم الأنثروبولوجيا رؤية للفن لا تقتصر على الفرد المبدع، بل تُركز على الفن كممارسة اجتماعية (Art as a Social Practice). في العديد من الثقافات غير الغربية، لا يُنظر إلى الفنان كـ"عبقري فردي"، بل كجزء من مجتمع، وفنه يُعبّر عن القيم والمعتقدات الجماعية. الفن ليس فقط للتعبير عن الذات، بل هو أيضًا وسيلة للتواصل، لإحياء الطقوس، ولنقل المعرفة بين الأجيال.

هذه النظرة تُجيب على تساؤل: "هل يجب أن يكون الفن عملاً فرديًا؟" تُظهر لنا أن الفن يُمكن أن يكون جماعيًا، ووظيفيًا، وأن قيمته لا تقتصر على تعبيره عن ذات الفنان، بل تمتد إلى دوره في النسيج الاجتماعي والثقافي.

الفن والبيئة في إعادة تعريف العلاقة بالمواد

تُقدم بعض التقاليد الفنية غير الغربية رؤية للعلاقة بين الإنسان والطبيعة تختلف عن الرؤية الغربية. في الفن الأسترالي للسكان الأصليين، على سبيل المثال، يُستخدم الفن لـتوثيق العلاقة مع الأرض (Documenting the Relationship with the Land) والمواقع المقدسة. الفن ليس مجرد منتج، بل هو جزء من عملية بيئية وروحية أعمق.

هذه النظرة تُوسع فهمنا للفن، وتُظهره كحوار بين الإنسان وبيئته، وليس فقط بين الفنان ومادته. إنها تُقدم رؤية للفن تُركز على الاستدامة، والاحترام للبيئة، والارتباط الروحي بالطبيعة، وهي مواضيع مُهمة في عالمنا المعاصر.

أهمية نقد المركزية الغربية وبناء مستقبل فني عالمي

إن نقد المركزية الغربية في فلسفة الفن ليس مجرد تمرين أكاديمي، بل هو خطوة ضرورية نحو بناء مستقبل فني أكثر عدلاً وشمولًا.

نحو فلسفة فن عالمية: تتطلب منا إعادة تقييم المركزية الغربية في فلسفة الفن أن نطور جمالية أكثر مرونة (Flexible Aesthetics). يجب أن نتخلى عن فكرة وجود معايير جمالية واحدة تُطبق على جميع الأعمال الفنية. بدلاً من ذلك، يجب أن نتعلم كيف نقدر الفن في سياقه الثقافي الخاص، وأن نفهم الوظائف التي يؤديها، والرموز التي يستخدمها. فلسفة الفن العالمية يجب أن تكون فلسفة تعددية، تحتفي بالاختلاف، وتُقدر الجمال في كل أشكاله، سواء كان في لوحة زيتية غربية، أو سجادة يدوية شرقية، أو تمثال طقسي أفريقي (Vogel, 1991).

توسيع الأفق الجمالي

يُساعدنا هذا النقد على توسيع أفقنا الجمالي (Expanding Our Aesthetic Horizons). عندما نُدرك أن الجمال ليس له شكل واحد أو مصدر واحد، نُصبح قادرين على تقدير التنوع الفني الهائل في العالم. هذا يُثري تجربتنا، ويُحفز فضولنا، ويُمكننا من التواصل مع ثقافات مختلفة بطريقة أعمق.

بناء حوار ثقافي حقيقي

يُمكن لـنقد المركزية الغربية أن يُساهم في بناء حوار ثقافي حقيقي. بدلاً من أن يكون الفن أداة للهيمنة، يُمكن أن يصبح جسرًا للتفاهم. عندما تُعرض الأعمال الفنية من جميع أنحاء العالم في المتاحف والمؤسسات الفنية، وتُناقش على قدم المساواة، يُمكن أن يُصبح الفن وسيلة للتغلب على الصور النمطية، ولتعزيز الاحترام المتبادل بين الثقافات. هذا يُقدم إجابة نهائية على تساؤل المستخدم: الفن ليس قصة غربية، بل هو حوار عالمي، ومستقبله يعتمد على قدرتنا على الاستماع إلى جميع الأصوات، وتقدير جميع القصص.

الخلاصة: إعادة كتابة قصة الفن من جديد

في نهاية هذه الرحلة، يتضح أن نقد خطاب المركزية الغربية في فلسفة الفن ليس مجرد نقد أكاديمي، بل هو ضرورة ثقافية وأخلاقية. فمن خلال تفكيك هذا الخطاب، نستطيع أن نُحرر أنفسنا من التصورات المسبقة، ونفتح عقولنا لجمال الفنون العالمية. إن إعادة كتابة قصة الفن يجب أن تكون مهمة مشتركة، يشارك فيها فنانون، ومفكرون، ونقاد من جميع أنحاء العالم، لخلق حوار فني حقيقي يعكس ثراء وتنوع التجربة الإنسانية.


خاتمة: المركزية الغربية وفلسفة الفن

إن نقد خطاب المركزية الغربية في فلسفة الفن يُعد خطوة جوهرية نحو إعادة كتابة تاريخ الفن وفلسفته من منظور عالمي. لقد أثبتنا أن الفن ليس قصة أوروبية حصرية، بل هو حوار عالمي (Global Dialogue) غني ومُتعدد الأبعاد، يتشكل من خلال تفاعلات ثقافية مُتعددة.

لقد أوضحنا كيف أن المعايير الغربية قد همشت تقاليد فنية وفلسفية غنية، وكيف أن الفن كان أداة للمقاومة والتحرر في سياقات ما بعد الاستعمار. والأهم من ذلك، أظهرنا أن الفن هو ممارسة إنسانية شاملة، تتجاوز الحدود الجغرافية والثقافية، وتُعبر عن تنوع الوجود البشري.

في النهاية، فإن هذا النقد لا يُهدف إلى التقليل من قيمة الفن الغربي، بل إلى وضع الفن العالمي في سياقه الصحيح. إنه دعوة لنا جميعًا، فنانين، فلاسفة، وجمهور، لنُدرك أن الجمال ليس له شكل واحد، وأن الحقيقة الفنية لا يُمكن أن تُحتكر من قبل ثقافة واحدة. الفن هو حوار، ومستقبلنا يعتمد على قدرتنا على الاستماع، والتعلم، والاحتفاء بجميع الأصوات الفنية في العالم.

هل أنت مستعد لاكتشاف الفن من منظور جديد؟

إذا كان هذا النقد قد أثار فضولك، وتود أن تتعرف على المزيد من الفنون غير الغربية، ندعوك لتصفح قسمنا الخاص بالفنون العالمية. ستجد هناك مقالات تحليلية لأعمال فنية من آسيا، وأفريقيا، وأمريكا اللاتينية، بالإضافة إلى توصيات بكتب تساعدك على توسيع آفاقك. انضم إلى مجتمعنا من المهتمين بالفكر والفن، وشاركنا رأيك حول كيفية تأثير المركزية الغربية على رؤيتك للفن.


نقد المركزية الغربية، فلسفة الفن، فن غير غربي، فن عالمي، جماليات ما بعد الاستعمار، تاريخ الفن العالمي، الفن والمجتمع، الحوار الثقافي في الفن، الفن كممارسة عالمية. نقد المركزية الغربية في فلسفة الفن، الفلسفة الغربية والفن
الكلمات المفتاحية المترادفة: فلسفة الفن العالمية، الفن ما بعد الاستعماري، نظريات الفن العالمية، نقد الاستشراق في الفن

المراجع والمصادر (APA 7th Edition)

Bhabha, H. K. (1994). The location of culture. Routledge.
Gell, A. (1998). Art and agency: An anthropological theory. Clarendon Press.
Hegel, G. W. F. (1975). Aesthetics: Lectures on fine art. Oxford University Press.
Said, E. W. (1978). Orientalism. Pantheon Books.
Vogel, S. (1991). Africa explores: 20th century African art. The Center for African Art.
Shiner, L. (2001). The Invention of Art: A Cultural History. University of Chicago Press.
Clifford, J. (1988). The Predicament of Culture: Twentieth-Century Ethnography, Literature, and Art. Harvard University Press.
Danto, A. C. (1997). After the End of Art: Contemporary Art and the Pale of History. Princeton University Press. (Discusses the narrative of art history but from a Western perspective, useful for understanding the dominant discourse).
Fung, Y. L. (1966). A Short History of Chinese Philosophy. The Free Press. (Provides a basis for understanding Chinese aesthetics).
Gnoli, R. (1956). The Aesthetic Experience According to Abhinavagupta. Tipografia Orientale. (Source on Indian Rasa theory).
Carroll, N. (1999). Philosophy of Art: A Contemporary Introduction. Routledge. (General textbook that can be used to see the Western-centric nature of the field).
Coote, J., & Shelton, A. (Eds.). (1992). Anthropology, Art, and Aesthetics. Clarendon Press.
Gell, A. (1998). Art and Agency: An Anthropological Theory. Oxford University Press. (Discusses art as a social practice rather than just an aesthetic object).
Golding, J. (1959). Cubism: A History and an Analysis, 1907-1914. Faber & Faber. (Details the influence of African art on Cubism).



مواضيع مهمه
فلسفة الفن
مواضيع متنوعة:

Share To:

Next
This is the most recent post.
Previous
رسالة أقدم
About Me

Mohamed Magdy is a fine artist, professional in oil painting, classic furniture and decor designer, writer, and researcher in the humanities. .Follow me

Post A Comment:

backtotop

الموافقة على ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط ليقدم لك تجربة تصفح أفضل. باستخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط

قراءة المزيد